كان للبيئة المصرية تأثيرات واضحة على شخصية المصريين القدماء، انعكست على الصفات العامة التي عادة ما عُرفوا بها، ومن أهمها:
الطبيعة السمحة الخيرة والهدوء الذي جعل من المصريين القدماء أقل شعوب العالم القديم ثورة وتمرداً، لشعورهم بالطمأنينة التي وفرها لهم الموقع الجغرافي الآمن.
كما اشتهر المصريون القدماء بالإحساس المرهف الرقيق، والذي نلمسه بوضوح من خلال ما أخرجه الفنان من نحت ورسوم ونقوش تمتاز بالبعد عن عناصر العنف والشراسة.
وامتاز المصريون القدماء بالصبر وقوة العزيمة والنشاط في العمل، فلم يُعرف عنهم الملل، ولم يركنوا إلى الراحة، وأقاموا بنشاطهم الجم آثاراً ضخمة الحجم وبأبسط الأدوات والوسائل المادية، ويدل على ذلك العدد الهائل من المعابد والأهرام والمقابر والمسلات الضخمة بشتى أرجاء البلاد.
وامتاز المصري القديم بخياله الخصب، وهو ما نراه فيما أخرجه الكاتب من إنتاج أدبي غزير سطره على البرديات وعلى جدران المقابر.
ولا نغفل تميز المصريين القدماء بالشجاعة والشدة عند مواجهة الأخطار، علاوة على بعدهم عن الهمجية، وكذا حبهم الشديد للوطن، ووعيهم السياسي المبكر الذي جعلهم يشكلون أول وحدة سياسية عُرفت في التاريخ، وكذا أول ثورة اجتماعية يقوم بها الشعب.
وكان من أبرز العادات عند المصريين القدماء حتمية حصول كل ذي حق على حقه، وهو أحد أهم أسباب ازدهار وقوة الحضارة المصرية القديمة.
وعلى عكس ما يُقال عن السخرة التي يمارسها الملوك ضد صغار فئات الشعب من أجل استخدامهم في تشييد المنشآت الضخمة كالأهرام والمقابر الملكية والمعابد، فأن لدينا من النصوص المتعددة التي تتحدث عن كفالة حق المواطن البسيط في الحياة الكريم، ومن ذلك ما تركه لنا الملك "سيتي الأول" عن بعض عماله الذين "كان الواحد منهم يتقاضى يومياً أربعة أوزان من الخبز وحزمتين من الخضروات وقطعة من اللحم المشوي، إضافة إلى ثوب من الكتان مرتين كل شهر".
ويذكر الملك "رعمسيس الثاني" على اللوحة التذكارية التي أقامها في معبد "إيونو" ما حققه لعماله الذين قاموا بنحت تماثيل "أبو الهول" والتماثيل المختلفة التي ملأت معابد مصر، وهو يقول: "لقد ملأت لكم المخازن بكل الأنواع من الفطائر واللحوم والكعك لكي تأكلوها، وأنواع العطور المختلفة لتعطروا رؤوسكم كل عشرة أيام، ملابس لترتدوها طوال العام، ولقد عينت رجالاً من سكان المستنقعات ليحضروا لكم الطيور والأسماك، وآخرين من عمال البساتين لكي يحصوا ما هو مستحق لكم، وأمرت بتشييد فاخورة لتصنع فيها الأواني الفخارية ليظل ماؤكم سلسبيلاً في فصل الصيف، ولأجل مصلحتكم تقلع المراكب دوماً من الجنوب إلى الشمال، ومن الشمال إلى الجنوب، محملة بالشعير والحبوب والقمح والملح والخبز ... لقد حققت كل هذه الأشياء حتى لا يقضي أحدكم ليلة خائفاً مترقباً ذل الحاجة والشقاء".
وكانت الحضارة المصرية القديمة قد اعتمدت على القيم الخلقية والمثل العليا التي كانت ثابتة ومستقرة في نفوس الناس، يعملون بها ويحافظون عليها ويتمسكون بها في صدق وقناعة، حيث كانت الحضارة مرتبطة بشكل كبير بالديانة، وهو ما أعطى المصريين القدماء قوة دفع كبيرة جعلتهم يقيمون سياجاً من القيم حول حضارتهم.
وكان كثير من الفراعنة قد اشتهروا بأنهم حكام مثاليون، ومن ذلك الملك "سنفرو" الذي اشتهر بالحاكم المثالي في الخير وحسن التصرف، وشدة الحرص على أن يسود العدل رعيته، حتى أنه اتخذ العدالة شعاراً له، فلقب نفسه "نب ماعت" بمعنى "سيد العدالة"، ومن ثم فقد ظلت ذكراه لعدة قرون بعد وفاته بين المصريين، وكانوا يشيرون إليه بقولهم "الملك المحسن"، و"ملك طيب وخيِّر"، فقد جاء في نص التعاليم الموجهة إلى "كا جمني" أن الملك "سنفرو" كان يُلقب بلقب "الملك الخيّر في كل البلاد"، وتظهره النصوص المصرية القديمة وهو يتصرف في بساطة وتواضع مع الآخرين من حوله، ويناديهم بلفظ "أخي" و"صديقي"، كما عُرف عنه ميله للمعرفة، وتكريمه للعلماء، والذين كان ينصت إليهم إذا ما تحدثوا، وأنه كان يكتب بنفسه، ويسأل عما لا يعرف.
ومن ذلك أيضاً الملك "سنوسرت الثالث" الذي وصلت مكانته بالنوبة إلى درجة تقديسه بها بعد وفاته، فعندما أعاد "تحتمس الثالث" في عصر الأسرة الثامنة عشرة بناء معبد سلفه في "سمنة"، بعد مضي ما يقرب من ثلاثمائة وسبعين عاماً، جعل من "سنوسرت الثالث" ثالث آلهة الحدود التي أسسها بالمنطقة.
هذا علاوة على تقديس المصريين القدماء واحترامهم لملوكهم الأحياء والأموات، باعتبارهم آلهة على الأرض، وأنهم سبيل إلى الخلاص يوم البعث.
وهكذا فقد كان اهتمام المصريين القدماء – طبقاً لعقيدتهم في البعث والخلود - ينصب على ذكر محاسن وصالح أعمالهم وصفاتهم الطيبة فقط، ولم يكن هناك من إشارات صريحة عن بعض عادات سيئة معينة كالبخل مثلاً لأنه من العادات السيئة التي كان المصريون لا يميلون إلى إظهارها، إن وجدت من الأصل، كما أن المصريين القدماء كانوا في الأصل يحرصون على التحلي بالصفات الطيبة ومنها الكرم، وهنا نجد الحكيم "آني" يقول من خلال نصائحه الشهيرة "كن كريماً مع من في منزلك ...".
--------------------------------------------------------------------------------